الولايات المتحدة تسعى للتقليل من استخدام الحيوانات في الأبحاث: هل البدائل جاهزة؟ تقنيات الذكاء الاصطناعي وشريحة الأنسجة البشرية تُظهر إمكانات واعدة لتقييم سلامة الأدوية والمواد الكيميائية، لكن بعض العلماء يحذرون من أن الاعتماد الكامل عليها قد يكون مبكرًا جدًا
تسعى الولايات المتحدة إلى تقليل الاعتماد على الأبحاث التي تُجرى على الحيوانات، في خطوة تُعدّ جزءًا من جهود أوسع لاستبدال هذه الطرق التقليدية بأساليب حديثة أكثر دقة وأخلاقية. ورغم التقدم المذهل في تقنيات البديل، لا يزال هناك خلاف بين العلماء حول مدى جاهزية هذه البدائل لاستبدال الأبحاث الحيوانية بشكل كامل. في السنوات الأخيرة، ظهرت تقنيات بديلة واعدة مثل "الشريحة الحيوية" (organ chips)، وهي أجهزة صغيرة مصنوعة من خلايا بشرية تُحاكي وظائف أعضاء حيوية مثل الكبد أو الرئة. تُستخدم هذه الشريحة لاختبار سلامة الأدوية والمواد الكيميائية، وتمكّن الباحثين من رصد التفاعلات الحيوية بدقة عالية، دون الحاجة إلى تجربة على حيوانات. إلى جانب ذلك، أصبحت الذكاء الاصطناعي أداة قوية في تحليل البيانات الكبيرة، حيث يمكنه توقع تأثيرات مركبات كيميائية أو أدوية بناءً على نماذج مبنية على بيانات سابقة، مما يقلل الحاجة إلى تجارب حيوانية في المراحل المبكرة من البحث. وقد أظهرت دراسات أن بعض هذه البدائل تتفوق في دقة التنبؤ بتفاعلات الأدوية مقارنة بالتجارب على الحيوانات، خصوصًا في حالات تؤثر فيها التغيرات الجينية أو البيولوجية بين الأنواع. وتشير تقارير من وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) إلى أن الاعتماد على الشريحة الحيوية والذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلل من استخدام الحيوانات بنسبة تصل إلى 50% في بعض المجالات. لكن على الرغم من هذه التطورات، يرى عدد من العلماء أن الانتقال الكامل إلى البدائل لا يزال مبكرًا. يشير البعض إلى أن الأنظمة الحيوية البشرية معقدة للغاية، وأن الحيوانات لا تزال تمثل نموذجًا حيويًا لفهم التفاعلات المعقدة بين الأعضاء، مثل الاستجابة المناعية أو التأثيرات الجانبية على الجهاز العصبي المركزي. كما أن بعض الأمراض، مثل بعض أنواع السرطان أو الأمراض العصبية، لا يمكن نمذجتها بدقة كاملة باستخدام خلايا مفردة أو نماذج حاسوبية. كما أن التقييمات التنظيمية، مثل تلك التي تُجريها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، لا تزال تطلب أحيانًا بيانات من تجارب على الحيوانات كجزء من عملية الموافقة على الأدوية الجديدة. ورغم أن بعض الدول بدأت بتبني معايير جديدة، فإن التحول العالمي يتطلب وقتًا طويلاً، لا سيما مع التفاوت في المعايير والموارد بين الدول. في المقابل، تؤكد المؤسسات البحثية والحكومية أن الهدف ليس إلغاء الأبحاث الحيوانية فجأة، بل تقليلها تدريجيًا مع تطوير واعتماد البدائل الموثوقة. وتُعدّ هذه الخطوة جزءًا من حملة عالمية لتعزيز ما يُعرف بـ"الثلاثية الحمراء" (3Rs): تقليل عدد الحيوانات المستخدمة، وتحسين رفاهها، واستبدالها بطرق بديلة. خلاصة القول، رغم التقدم المثير في تقنيات الشريحة الحيوية والذكاء الاصطناعي، لا يزال هناك عمل ضروري لضمان أن البدائل الجديدة قادرة على تكرار التفاعلات الحيوية المعقدة التي لا تزال الحيوانات تمثلها بشكل فريد. الانتقال إلى بديل كامل يتطلب ليس فقط تطويرًا تقنيًا، بل أيضًا تغييرًا في التفكير العلمي، والموافقة التنظيمية، والثقة في النتائج.