HyperAIHyperAI
Back to Headlines

النماذج اللغوية الكبيرة لا تحتاج فقط إلى الذكاء، بل إلى التخصص الدقيق: كيف يُعلّم الذكاء الاصطناعي التفكير قبل التحدث

منذ 4 أيام

تُعدّ معضلة توجيه النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) نحو أداء محدد ودقيق واحدة من أبرز التحديات في تطوير الذكاء الاصطناعي الحديث. فعلى الرغم من قدرتها الهائلة على التوليد والتفكير، فإن هذه النماذج غالبًا ما تفشل في اتباع تعليمات دقيقة أو محددة، خاصة عند التعامل مع مهام تتطلب سلامة أو تصرفات محددة مسبقًا. فمثلاً، نموذج يُستخدم لكتابة كود برمجي لا ينبغي أن يُقدّم إجابات مبسطة أو غير دقيقة، بينما نموذج يساعد طالبًا في الواجبات المدرسية يجب أن يراعي مستوى الفهم المناسب ويبتعد عن التبسيط المفرط أو التحيّز. في محاولة لحل هذه المشكلة، قدم باحثون من جامعة شانغهاي جياو تونغ، وجامعة هونغ كونغ، ومؤسسات أخرى، تقنية جديدة تُسمى "التأمل في وقت الاختبار" (Test-Time Deliberation)، تُعدّ خطوة متقدمة نحو جعل النماذج أكثر تخصصًا ودقة دون الحاجة إلى إعادة تدريبها. الفكرة الأساسية تكمن في تدريب النموذج على التوقف لحظيًا قبل الإجابة، وتحليل التعليمات أو "المواصفات" المطلوبة، ثم التفكير فيها بعناية قبل إنتاج الرد. ما يميّز هذه التقنية هو أنها لا تعتمد على تعديل النموذج نفسه، بل تُطبّق أثناء عملية التوليد الفعلية — أي في "وقت الاختبار"، وليس أثناء التدريب. فعندما يُطلب من النموذج إجابة سؤال معين، يُطلب منه أولاً أن يُعيد قراءة التعليمات، ويُحلّلها بعناية، ويُقيّم ما إذا كانت إجابته المُقترحة تتماشى مع الشروط المطلوبة. إذا لم تكن متوافقة، يُعيد التفكير، ويعيد صياغة الرد حتى يتوافق تمامًا مع المواصفات. النتائج التي حققها الباحثون واعدة جدًا. فقد أظهرت التجارب أن هذه الطريقة تُحسّن بشكل ملحوظ قدرة النماذج على الالتزام بالتعليمات المعقدة، سواء في مجالات مثل الأمان، أو التفاعل مع المستخدمين بأسلوب مناسب، أو حتى التقييم العدلي أو التصميم المعماري. كما أن التأثير كان ملحوظًا حتى على نماذج كبيرة جدًا، دون الحاجة إلى استهلاك موارد إضافية كبيرة. ما يُميّز هذه التقنية أيضًا هو بساطتها وقابلية تطبيقها على أي نموذج لغوي موجود. فهي لا تتطلب إعادة تدريب أو تعديل بنية النموذج، بل تعتمد فقط على تغيير في طريقة التوليد — ببساطة، جعل النموذج "يتأمل" قبل أن يتكلم. هذا يفتح الباب أمام تطبيقات واسعة في المجالات الحساسة، مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات الحكومية، حيث الدقة والالتزام بالتعليمات لا تُعدّ ميزة، بل ضرورة. في عالم يزداد فيه الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، أصبح من الواضح أن الذكاء وحده لا يكفي. ما نحتاجه هو ذكاء مُوجّه، يُدرك متى يُطبّق ما يُعلّم له، وما الذي يُطلب منه تحديدًا. "التأمل في وقت الاختبار" قد يكون الخطوة الأولى نحو نماذج ذكية ليست فقط قوية، بل أيضًا مُتخصصة، وموثوقة، وآمنة.

Related Links