ذكاء اصطناعي يُعيد هندسة نفسه لاستهداف بروتينات مرضية كانت تعتبر "غير قابلة للعلاج"
أظهرت دراسة حديثة نُشرت في دورية "نيتشر بيوتكنولوجي" قدرة مبتكرة للذكاء الاصطناعي على تصميم جزيئات دوائية صغيرة قادرة على الارتباط ببروتينات مسببة للأمراض وتفكيكها، حتى في الحالات التي لم يكن يُعرف فيها شكل هذه البروتينات بدقة. يمثل هذا التقدم تحولاً جذرياً في مجال تطوير الأدوية، خصوصاً لعلاج أمراض كانت تُعتبر "غير قابلة للعلاج" تقليدياً، مثل بعض أنواع السرطان، والاضطرابات العصبية، والعدوى الفيروسية. العمل المشترك بين باحثين من جامعة ماكماستر، وجامعة دوك، وجامعة كورنيل، نتج عنه أداة ذكاء اصطناعي اسمها "بب إم إل إم" (PepMLM)، مبنية على خوارزمية أصلها في فهم اللغة البشرية، واستُخدمت في تطبيقات الدردشة الآلية. لكن الفريق قام بتدريبها لفهم "لغة" البروتينات، باستخدام تسلسل الأحماض الأمينية فقط، دون الحاجة إلى معرفة التركيب ثلاثي الأبعاد لها. في عام 2024، حصل باحثون من Google DeepMind على جائزة نوبل في الكيمياء لتطوير نظام "ألفا فول" الذي يمكنه توقع شكل البروتينات بدقة عالية، وهو إنجاز كبير. لكن العديد من البروتينات المرتبطة بالأمراض لا تمتلك هيكلًا ثابتًا، ما جعلها غير قابلة للاستهداف باستخدام الأدوات التقليدية التي تعتمد على الهيكل الثلاثي الأبعاد. هنا يأتي دور "بب إم إل إم"، الذي يتجاوز هذا التحدي من خلال التصميم المباشر من خلال التسلسل الأميني، ما يمكّن من استهداف مجموعة أوسع بكثير من البروتينات، بما في ذلك تلك التي كانت تُعتبر "غير قابلة للعلاج". وفقاً لبرانام شاترجي، الباحث الرئيسي من جامعة دوك والآن أستاذ في جامعة بنسلفانيا، "العديد من الأهداف العلاجية المهمة لا تملك هيكلًا مستقرًا، و"PepMLM" يغير قواعد اللعبة من خلال تصميم جزيئات رابطة بسيطة فقط من خلال التسلسل." أظهرت التجارب المعملية أن الأدوية المُصممة بواسطة "بب إم إل إم" – وهي ببتيدات قصيرة من الأحماض الأمينية – تمكّنت من الالتصاق ببروتينات مسببة للأمراض وتفكيكها، بما في ذلك بروتينات مرتبطة بالسرطان، واضطرابات التوليد، ومرض هنتنغتون، وحتى فيروسات حية. كانت كريستينا بينغ، الطالبة الجامعية في مختبر تراونت بجامعة ماكماستر، رائدة في تجارب مرض هنتنغتون، مشيرة إلى أن "النتائج مثيرة، إذ تُظهر أن هذه الجزيئات يمكنها العمل داخل الخلايا لتفكيك البروتينات السامة، ما يفتح آفاقاً جديدة لعلاج أمراض لم تنجح فيها العلاجات التقليدية". كما ساهمت مختبرات ماثيو دييسلا وهكتور أغيلاير في جامعة كورنيل في بناء وفحص هذه الجزيئات على بروتينات فيروسية، بينما نجح فريق شاترجي في تطوير النموذج الذكي وتجريبه في مراحل أولية. يؤكد راي تراونت، أستاذ علم الكيمياء الحيوية والعلوم الطبية الحيوية في ماكماستر، أن هذه الأداة تتيح "الارتباط بأي بروتين بأي بروتين آخر"، سواء لتفكيك البروتينات الضارة، أو تثبيت البروتينات المفيدة، أو التحكم في تغيراتها الوظيفية حسب الهدف العلاجي. الباحثون يعملون حالياً على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متطورة مثل "بب تون" و"موغ-دف إم"، لتحسين استقرار هذه الجزيئات، ودقتها، وسهولة توصيلها في الجسم. وفقاً لشاترجي، الهدف النهائي هو منصة علاجية ببتيدية قابلة للبرمجة بشكل عام، تبدأ من تسلسل جيني وتنتهي بعلاج فعّال في العالم الحقيقي.