الدليل على تأثير الذكاء الاصطناعي في تقليل فرص العمل للشباب يصبح أكثر قوة
في ظل التساؤلات المتزايدة حول تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، برزت مؤخرًا دلائل قوية تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يكون بالفعل يُقلص فرص العمل أمام الشباب، خاصة حديثي التخرج. في مقال سابق، أثارت ملاحظة عن تراجع فرص التوظيف بين الخريجين الجدد في الولايات المتحدة تساؤلات حول احتمال أن تكون الشركات تستخدم أدوات مثل ChatGPT لاستبدال وظائف كانت تُمنح سابقًا للشباب في الوظائف البيضاء. وقد دعمت تقارير لاحقة من صحيفة نيويورك تايمز وأكسيوس، وتصريحات من قادة في مجال الذكاء الاصطناعي مثل داريو أوميدي من شركة أنثروبيك، هذه الفرضية، مُعلنةً "كوارث وظيفية" قادمة. لكن بسرعة، تراجعت هذه المخاوف مع ظهور تحليلات أخرى، مثل تقرير من مجموعة الاقتصاد المبتكر، الذي لم يجد أدلة ملموسة على تأثير الذكاء الاصطناعي على البطالة، بل أشار إلى أن معظم الشركات لم تُسجّل تأثيرًا صافٍ على التوظيف. كما لاحظ جون بيرن-موردوك من فاينانشال تايمز تحسنًا في التوظيف في قطاع التكنولوجيا، بينما خلص الاقتصادي نوآه سميث إلى أن الأدلة تُرجح أن الذكاء الاصطناعي لا يُهدّد وظائف الشباب، أو أي فئة عاملة. لكن الآن، تُعيد دراسة جديدة من جامعة ستانفورد التساؤلات إلى الواجهة. قام باحثون بتحليل بيانات توظيف شهرية من شركة ADP التي تغطي ملايين العمال، ووجدوا أن العمال الشباب في الفئة العمرية 22–25 عامًا، العاملين في وظائف عالية التعرض للذكاء الاصطناعي مثل المطورين البرمجيين وموظفي خدمة العملاء، شهدوا انخفاضًا بنسبة 13% في التوظيف منذ ظهور ChatGPT. بينما ظل التوظيف مستقرًا أو نما بين العمال الأكبر سنًا، وازداد في وظائف أقل تعرّضًا للذكاء الاصطناعي مثل مساعدي الرعاية المنزلية. أظهرت الرسوم البيانية في الدراسة أن الانخفاض مركّز في الوظائف التي يمكن فيها للذكاء الاصطناعي أتمتة المهام المحددة، مثل كتابة التقارير أو تنسيق المستندات، بينما لم يُلاحظ انخفاض في الوظائف التي تتطلب تعاونًا استراتيجيًا أو تفكيرًا طويل الأمد، حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة (augmentation) بدلًا من الاستبدال. هذا الفرق بين "الأتمتة" و"التعزيز" كان محوريًا في التحليل، حيث أظهرت البيانات أن الوظائف التي تُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي لاستبدال المهام (مثل المحاسبة أو المراجعة) شهدت انخفاضًا حادًا في التوظيف بين الشباب، بينما لم يُلاحظ هذا التأثير في الوظائف التي تتطلب تفاعلًا معقدًا وذكاءً تكتيكيًا. ما يميز هذه الدراسة هو دقتها، نظرًا لحجم البيانات الشهري من ADP، الذي يسمح بتحليل فئات صغيرة جدًا مثل المطورين الشباب، ما لم تكن ممكنًا في الدراسات السابقة التي تعتمد على بيانات مسحية أقل تفصيلًا. كما أظهر التحليل أن حتى داخل نفس الشركة، تراجعت الوظائف الأكثر عرضة للذكاء الاصطناعي مقارنة بالوظائف الأقل عرضة، ما يشير إلى تأثير داخلي للذكاء الاصطناعي وليس ناتجًا عن صدمات اقتصادية عامة. الباحثون يفسرون هذا التوجه بأنه نتيجة لتوافق المعرفة التي يكتسبها الشباب في الجامعات مع ما يمكن للذكاء الاصطناعي نسخه بسهولة — مثل المهام المكتوبة والمنضبطة — بينما يُعتمد على المعرفة غير المكتوبة (tacit knowledge) التي يمتلكها العمال ذوي الخبرة، والتي لا يمكن للذكاء الاصطناعي استيعابها بسهولة. في المقابل، يقترح الباحثون أن الجامعات يجب أن تُعد الطلاب لبيئة العمل الحالية، من خلال تعليم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل فعّال، وتعزيز المهارات التي لا يمكن لأي ذكاء اصطناعي محاكاة، مثل التفكير الاستراتيجي والعمل اليدوي. في النهاية، لا تقدم الدراسة دليلًا على سببية مطلقة، لكنها تمثل أقوى دليل مُلاحظ حتى الآن على أن الذكاء الاصطناعي يُحدث تأثيرًا حقيقيًا على فرص العمل للشباب، لا في المستقبل، بل في الحاضر. وهذا يُذكّر بأن التحدي الحقيقي ليس التنبؤ بالمستقبل، بل فهم ما يحدث الآن بدقة.