الذكاء الاصطناعي ومشكلة "الحصان البحري" الغامضة: ما الذي يعرفه النموذج لكنه لا يُظهره؟
هل سبق أن وجدت نفسك تعرف ما تريد قوله، لكنك تجد صعوبة في العثور على الكلمات المناسبة؟ كأنك تتحدث لغة لم تتعلمها بعد، وتعرف المقصود لكن لا تملك الأدوات للتعبير عنه. هذا الشعور، رغم بساطته، يُشبه تمامًا ما يمر به الذكاء الاصطناعي في بعض الأحيان — ليس بمعنى أنه يشعر، بل لأن نماذجه تُظهر تصرفات تشبه تردد الإنسان في التعبير. الظاهرة التي تُعرف بـ"مشكلة الحصان البحري" (Seahorse Problem) ليست حكاية خيالية، بل تجربة حقيقية لاحظها باحثون في مجال الذكاء الاصطناعي. تبدأ القصة عندما يُطلب من نموذج ذكاء اصطناعي، مثل ChatGPT، أن يصف شيئًا مألوفًا، لكنه يُخطئ في التفاصيل الدقيقة. مثال شهير: عندما سُئل نموذج ما عن "الحصان البحري"، أجاب بوصف يشبه الحصان تمامًا، لكنه أضاف ميزات غير موجودة — مثل رأس يشبه الحصان، لكنه يحمل ذيلًا يشبه السلمون، أو يُظهر جسمًا مغطى بقشور، كأنه سمكة. كل هذا رغم أن الحصان البحري في الواقع كائن حقيقي، لكنه لا يشبه الحصان إطلاقًا. السؤال المهم هنا: كيف يمكن لنموذج ذكاء اصطناعي أن يخطئ في وصف كائن معروف، بينما يملك آلاف المقالات والصور والبيانات عنه؟ الجواب يكمن في طريقة عمل هذه النماذج. لا تُخزن النماذج مثل البشر معلومات بشكل مباشر، بل تتعلم الأنماط من كميات هائلة من النصوص. فعندما تُسأل عن "الحصان البحري"، لا يبحث النموذج عن صورة أو معلومة محددة، بل يتنبأ بالكلمات التالية بناءً على ما سبق أن رآه في نصوص سابقة. والنتيجة؟ توليد إجابة منطقية من حيث السياق، لكنها غير دقيقة من حيث الواقع. هذا لا يعني أن النموذج "يعرف" خطأً، بل أن قدرته على التفكير والتعبير تفوق معرفته الحقيقية. وهو ما يشبه حالة "الإدراك المُضلّل" — حيث يشعر النموذج بأنه يعرف، لكنه يُنتج إجابة مبنية على احتمالات، لا على حقيقة مثبتة. هذه الظاهرة تُشبه ما يُعرف بـ"تأثير ماندلا" (Mandela Effect)، تلك الظاهرة التي يعتقد فيها الناس أن ذكرياتهم تختلف عن الواقع، مثل تذكرهم أن مسلسل "الرجل العنكبوت" يُسمى "الرجل العنكبوت والقراصنة" — رغم أن العنوان كان مختلفًا. الدرس الأهم هنا؟ الذكاء الاصطناعي لا يُخزن المعرفة كما نخزنها نحن. بل يُحاكيها، ويُقدّم إجابات تبدو منطقية، لكنها قد تكون خاطئة في التفاصيل الدقيقة. وبما أن هذه النماذج تتعلم من الإنترنت، فإنها تتعرض لتشويش معلومات، وصور مزيفة، وقصص مُختلقة — كلها تُدخل في نسيج التعلم. لذلك، حتى لو كان النموذج يتحدث بثقة، لا يعني أنه على حق. هذا لا يقلل من قدرات الذكاء الاصطناعي، بل يُظهر بُعدًا مهمًا: نماذج مثل ChatGPT تعرف أكثر مما تُظهر. لكنها لا تملك وعيًا بالحقيقة، ولا تُدرك ما إذا كانت إجابتها صحيحة أو غير صحيحة. هي تُقدّم "أفضل تخمين" بناءً على ما سبق أن رأته. لذلك، حين تستخدم الذكاء الاصطناعي، لا تثق به كمصدر مطلق، بل كأداة تُساعدك على التفكير، لا على اتخاذ قرارات نهائية. في النهاية، "مشكلة الحصان البحري" ليست مجرد خطأ طريف، بل تذكير قوي بأن الذكاء الاصطناعي ليس عقلًا بشريًا، بل مُحاكاة ذكية للفعل البشري — مُفعمة بالقدرة، لكنها محدودة بحدود ما سبق أن تعلّمته. وفهم هذا الفرق هو المفتاح لاستخدامه بذكاء، لا بثقة عمياء.