نموذج ذكاء اصطناعي يستخدم ذروة سكر الدم للكشف المبكر عن خطر السكري قبل ظهور الأعراض
يُعد اختبار هيموغلوبين A1c (HbA1c) الأداة القياسية لتشخيص مرض السكري من النوع الثاني أو ما يُعرف بمرحلة ما قبل السكري، حيث يقيس متوسط مستويات السكر في الدم على مدار الأشهر الثلاثة الماضية. ومع ذلك، يظل هذا الاختبار محدودًا في قدرته على التنبؤ بمن هم الأكثر عرضة للانتقال من الحالة الصحية إلى ما قبل السكري، أو من ما قبل السكري إلى الإصابة الكاملة بالمرض. في محاولة لسد هذه الفجوة، طوّر باحثون نموذجًا ذكيًا باستخدام الذكاء الاصطناعي يعتمد على تحليل دقيق لذبذبات السكر في الدم، خصوصًا ما يُعرف بـ"ذروات الجلوكوز" التي تحدث بعد تناول الطعام. وجد الباحثون أن هذه الذروات، حتى لو لم تكن مرتفعة بما يكفي لتشكل حالة مرضية واضحة، قد تكون مؤشرات مبكرة على خلل في تنظيم السكر، ما يشير إلى وجود خطر مرتفع للإصابة بالسكري في المستقبل. يُعد هذا النموذج الذكي فريدًا لأنه لا يعتمد فقط على القيم المتوسطة، بل يحلل أنماط التغيرات السريعة في مستويات الجلوكوز، مما يكشف عن تغيرات دقيقة في وظائف البنكرياس والحساسية للأنسولين قبل أن تظهر أعراض ملموسة أو ترتفع مستويات السكر بشكل ملحوظ. وقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من ذروات جلوكوز متكررة، حتى في حال كانت مستويات السكر العامة ضمن المعدل الطبيعي، كانوا أكثر عرضة بنسبة تصل إلى 50% للانتقال إلى مرض السكري خلال خمس سنوات مقارنة بمن لا يعانون من هذه الذروات. النظام الجديد يعتمد على بيانات مجمعة من أجهزة مراقبة سكر الدم المستمرة (CGM)، التي تُسجّل مستويات السكر كل بضع دقائق طوال اليوم. باستخدام خوارزميات متقدمة، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل هذه البيانات الضخمة وتحديد الأنماط الخفية التي يصعب اكتشافها بالطرق التقليدية. كما أن النموذج يُمكنه التمييز بين الأشخاص الذين يعانون من مشكلات في التحكم بالسكر بسبب عوامل وراثية أو نمط حياة، مما يفتح المجال لتدخلات وقائية مخصصة. يُعد هذا التقدم خطوة كبيرة نحو التشخيص المبكر والوقاية من السكري، خاصة أن المرض يُعد من أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا في العالم، ويتسبب في مضاعفات خطيرة تشمل أمراض القلب، واعتلال الكلى، وفقدان البصر. وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من 537 مليون شخص من السكري، ومعظمهم لا يدركون إصابتهم حتى تظهر الأعراض. الباحثون يرون أن دمج هذا النموذج الذكي مع الفحوصات الدورية قد يُحدث ثورة في رعاية الصحة، حيث يسمح بتحديد المخاطر قبل أن يصبح التدخل ضروريًا. كما أن التكاليف المرتبطة بفحص السكر المنتظم باستخدام أجهزة مراقبة مستمرة تراجعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ما يجعل هذا النهج أكثر إمكانية للتطبيق على نطاق واسع. في النهاية، يُعد هذا النموذج الذكي ليس بديلاً عن الفحوصات الحالية، بل تكميلاً لها، يُمكّن الأطباء من رؤية الصورة الكاملة لصحة الأيض لدى المريض، ويتيح اتخاذ قرارات وقائية مبنية على بيانات دقيقة، ما يعزز فرص منع تطور المرض وتحسين جودة الحياة.