الذكاء الاصطناعي يُعيد تشكيل دراسة النقوش الرومانية: نموذج "أيناس" يساعد المؤرخين في تفسير النصوص القديمة
في محاولة لربط التكنولوجيا الحديثة بالعصور القديمة، تعاونت الأستاذة أليسون كولي، خبيرة الأسطرلوجيا (دراسة النقوش القديمة) في جامعة وارويك، مع شركة Google DeepMind لاختبار نموذج الذكاء الاصطناعي "أينياس" (Aeneas)، الذي يهدف إلى إعادة تفسير النقوش الرومانية بشكل مبتكر. ونشرت الدراسة نتائجها في مجلة "نيتشر" (Nature) عام 2025، وتمت الإشارة إلى النموذج كخطوة كبيرة في مجال التاريخ. يُعد "أينياس" أول نموذج ذكاء اصطناعي يُصمم لفهم النقوش القديمة من خلال التعرف على الأقوال والأنماط اللغوية والبيانات السياقية. تُعتبر النقوش الرومانية مصدراً ثميناً للمعلومات، إذ تتضمن نصوصاً من مختلف الجوانب الحياتية، مثل المنشورات السياسية والرسائل العاطفية والدُفونيات والمعاملات التجارية. لكنها غالبًا ما تكون مُتضررة أو مُقطعة، مما يجعل تفسيرها وتحديد توقيتها ومكانها صعبًا. في اختبارها، استخدمت الأستاذة كولي النقوش المعروفة "رِس جِستَي دِفي أوغستوس" (Res Gestae Divi Augusti)، وهي نصوص مكتوبة من قِبَل الإمبراطور أوغسطس نفسه، والتي تُعتبر من أكثر النقوش دراسة. كانت هذه النصوص مليئة بالادعاءات الإمبراطورية والتواريخ غير الدقيقة والمواضع الجغرافية غير الصحيحة، بالإضافة إلى خلافات أكاديمية كبيرة في تحديد توقيتها. خلال تحليلها، وجدت كولي أن "أينياس" كان قادراً على تفسير الميزات غير الواضحة في النصوص بدقة، مثل الأخطاء الإملائية واللغة المستخدمة، وكذلك مؤشرات على الأيديولوجية السياسية وال Attribution الإمبراطوري. كما تمكّن النموذج من تحديد نصوص مماثلة تقع في مناطق بعيدة جغرافياً، مما ساعد في تقدير التوقيت بدقة. أشارت كولي إلى أن النموذج لم يُقدّم توقعًا واحدًا، بل عرض احتمالين لتوقيت النص، مما يعكس التباين في آراء الباحثين. واعتبرت أن هذا يدل على فهم عميق للتعقيدات الأكاديمية، ويعكس القدرة على التعامل مع التحديات التي تواجه الباحثين في هذا المجال. تعتبر هذه الدراسة خطوة مبتكرة في مجال الأسطرلوجيا، إذ تُظهر كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهم في تحسين فهم النقوش القديمة، وتحويل هذا المجال من تخصص خاص إلى فرع حديث من فروع البحث التاريخي. كما أن النموذج يمكن تكييفه لتحليل لغات ونصوص قديمة أخرى، مثل النصوص على الورق أو العملات. يُعد "أينياس" جزءًا من مبادرة أوسع تهدف إلى استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية لتحليل النصوص التاريخية بكميات كبيرة، مما يساعد الباحثين على ربط الأدلة التاريخية بشكل أكثر فعالية. وتشير الأستاذة كولي إلى أن التعاون بين الباحثين في التاريخ القديم والتقنيات الحديثة يفتح آفاقاً جديدة لفهم الماضي.