هل فقدت الثقة؟ هل يمكن لـ"المدير التنفيذي للثقة" إعادة بنائها؟
في ظل تراجع مستمر في ثقة الجمهور بالحكومات والشركات والإعلام، تبرز ظاهرة جديدة في عالم الأعمال: تعيين "المسؤول الأول للثقة" أو "Chief Trust Officer" (CTrO) كرد فعل على الأزمات المتصاعدة في مجال الأمن الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والشفافية. هذا الدور، الذي يُعدّ توسّعاً لسلسلة المسميات الإدارية المتزايدة في الهرم التنفيذي، يهدف إلى تحويل الثقة من مفهوم نظري إلى عملية استراتيجية قابلة للقياس والتنفيذ. المسؤولون عن الثقة يختلفون عن نظرائهم في مجال الأمن السيبراني (CISO)، إذ لا يقتصر دورهم على التصدي للهجمات، بل يمتد إلى بناء الثقة مسبقاً عبر الشفافية، والاتصال الفعّال، والالتزام الأخلاقي في استخدام التكنولوجيا. في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث تنتشر الصور والفيديوهات المزيفة بسهولة، أصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والكذب، ما جعل "الإثبات" أكثر أهمية من "الوعود". وفقاً لـلشمسي هانسبال، المسؤول الأول للثقة في شركة ديجيسيرت، فإن "الدليل يفوق الوعود" في عالم الذكاء الاصطناعي، وهو ما يقع على عاتق CTrO. التحدي الأكبر يكمن في أن الثقة مفهوم عاطفي وذو طابع نفسي، لا يمكن قياسه بمؤشرات تقنية بسيطة. ورغم أن 95% من المديرين التنفيذيين يعترفون بضرورة بناء الثقة، فإن 70% فقط من العملاء يشعرون بالثقة في شركاتهم، ما يشير إلى فجوة هائلة بين الرؤية الداخلية والخارجية. السياق التاريخي يعزز من أهمية هذا الدور. فقد شهدت الثقة في المؤسسات تراجعاً متسارعاً منذ أحداث 11 سبتمبر، ثم الأزمة المالية 2008، ثم تكرار حوادث تسريب البيانات، وصولاً إلى انتشار الذكاء الاصطناعي المُولّد. الشركات التي تعامل مع بيانات حساسة، مثل البنوك وشركات التكنولوجيا، أصبحت تحت ضغط متزايد لاستعادة ثقة العملاء. المسؤولون عن الثقة يجمعون بين المهارات التقنية والاتصالية، وغالباً ما يأتون من خلفيات في الأمن السيبراني، مثل فيناي باتيل من زينديسك، الذي شغل منصب CISO قبل أن يصبح أول "مسؤول الثقة والأمن". وفقاً له، فإن الثقة لم تعد مجرد مسألة أمنية، بل أصبحت "أساساً لنمو الشركة وتميّزها". رغم أن هذا الدور لا يزال نادراً — وفقاً لتحليل فورستر، متوسط مدة توليه أقل من ثلاث سنوات — إلا أن انتشاره يشير إلى تحوّل استراتيجي. الشركات الكبرى تبدأ بتعيين CTrOs لمواجهة التهديدات المزدوجة: الهجمات السيبرانية، وحملات التضليل المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل التزييف الصوتي والمرئي. المحصلة: لا يُعدّ CTrO حلاً سحرياً، لكنه يمثل خطوة نحو تبني نموذج أكثر إنسانية في إدارة التكنولوجيا. كما يرى أماندا هوفر، الكاتبة في "بزنس إنسايدر"، فإن الثقة ليست مجرد مفهوم إداري، بل شعور إنساني. والعمل على استعادتها يتطلب تواصلًا صادقاً، وشفافية مستمرة، ومسؤولية يومية. في النهاية، قد لا يُعاد بناء الثقة بسهولة، لكنها تُبنى "قطعة بقطعة"، من خلال فعل يُشعر العميل بأنه مُحترم، وبياناته آمنة، وشركة ما تُقدّر مسؤولياتها.